أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري تحليلًا تفصيليًا بعنوان “صناعة بناء السفن”، سلط الضوء فيه على دور هذه الصناعة الحيوية في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، واستعرض أبرز التجارب الدولية الناجحة والجهود المصرية المبذولة في هذا المجال.
وأوضح التقرير أن النقل البحري يُعد المحرك الأساسي للتجارة الدولية، حيث يتم عبره نقل أكثر من 80% من إجمالي السلع المتداولة عالميًا، مما يعزز أهمية استمرار الطلب على السفن الجديدة.
سوق عالمي ديناميكي
وفقًا للتحليل، بلغت قيمة السوق العالمية لبناء السفن نحو 158.25 مليار دولار في عام 2023، مع توقعات بنموها إلى 221.37 مليار دولار بحلول عام 2032 بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 40%.
الهيمنة في هذه السوق تتوزع حاليًا بين دول شرق آسيا، حيث تستحوذ الصين وكوريا الجنوبية واليابان على 93% من الإنتاج العالمي.
هذا الإنجاز يعكس استراتيجيات فعالة تعتمدها هذه الدول، مثل الحوافز الحكومية، الاستثمارات في التكنولوجيا، والتركيز على الابتكار في بناء السفن الخضراء والذكية.
مراحل معقدة وتوجهات تكنولوجية
أوضح التحليل أن عملية بناء السفن تتسم بالتعقيد الشديد، وتنقسم إلى ثلاث مراحل رئيسية: بناء الهيكل، التجهيز الداخلي، وأخيرًا الطلاء، تستخدم في هذه المراحل مواد متنوعة تشمل الحديد، الألمنيوم، والمطاط، مع تكنولوجيا متقدمة تُركز على تحسين كفاءة استهلاك الوقود وتقليل الانبعاثات، كما شهدت الصناعة تطورًا في الاتجاه نحو السفن الذكية والرقمية.
نجاحات دولية بارزة
ركز التقرير على تجربتي الصين وكوريا الجنوبية في قيادة هذه الصناعة، ففي الصين، حُددت صناعة بناء السفن كقطاع استراتيجي مدعوم بسياسات مثل القروض الميسرة والحوافز الضريبية، بينما اعتمدت كوريا الجنوبية استراتيجيات لدعم السفن الخضراء وتعزيز الابتكار التكنولوجي، هذا النهج ساهم في تصدر هذه الدول قائمة المنتجين عالميًا، وجعلها نماذج يُحتذى بها.
جهود مصرية نحو التوطين
وفيما يتعلق بمصر، أشار التقرير إلى المبادرات التي تستهدف النهوض بهذه الصناعة الحيوية، تشمل الجهود إطلاق برامج لتطوير النقل البحري واللوجستيات ضمن رؤية مصر 2030، وتوسيع أسطول السفن التجارية لتعزيز حركة التجارة.
بالإضافة إلى ذلك، خضعت ترسانات بحرية كبرى مثل ترسانة الإسكندرية لعمليات تطوير كبرى، وقد نجحت في تصنيع سفن وقاطرات حديثة لدعم الأسطول البحري المصري، مثل ناقلات النفط مزدوجة البدن.
كما تم إنشاء شعبة متخصصة لصناعة السفن تحت مظلة اتحاد الصناعات المصرية، مع خطط للتعاون بين الشركات لتوطين التقنيات الحديثة.
وأبرز التحليل إنشاء جامعة تكنولوجية بمنطقة قناة السويس لتوفير الكوادر المتخصصة في صناعة السفن، مما يعكس رؤية استراتيجية لخلق بيئة متكاملة تُسهم في تحقيق التنافسية الإقليمية.
مكانة مصر الواعدة
وأشار التقرير إلى أن موقع مصر الجغرافي يتيح لها فرصة استثنائية لتكون مركزًا إقليميًا للصناعات البحرية، فبالإضافة إلى الإمكانات المحلية المتمثلة في الترسانات البحرية، سجلت مصر صادرات بقيمة 3.2 مليون دولار من السفن والقوارب في عام 2022، مما يعزز فرصها في السوق الإقليمي والعالمي.
وخلص التقرير إلى أن صناعة بناء السفن تُعد ركيزة أساسية للتجارة العالمية، كما أنها تُمثل فرصة اقتصادية كبيرة للدول التي تمتلك رؤية استراتيجية واضحة.
في هذا الإطار، يُبرز التحليل دور مصر الناشئ كلاعب إقليمي في هذا المجال، مع وجود إمكانات واعدة لم تُستغل بالكامل بعد.
وتجارب الدول الرائدة كالصين وكوريا الجنوبية تُؤكد أن النجاح في هذا القطاع يتطلب الاستثمار في التكنولوجيا، الابتكار، والسياسات الحكومية الداعمة.