نظم المركز الإفريقي لدراسات الحوكمة والتحول بالتعاون مع الوحدة المركزية للشراكة بوزارة المالية والتخطيط الإقتصادي، ورشةً بعنوان: الشراكة من أجل ريادة السودان في الأمن الغذائي ومن ضمن الأوراق العلمية التي قدمت بهذه الورشة، ورقة: أمن غذاء السودان: الواقع والمأمول، قدمها المهندس الزراعي رئيس قسم الأمن الغذائي بوزارة الزراعة والغابات،عمار حسن بشير عبدالله. صُدِّرت الورقة، بريادة السودان الدول واحتفاؤه بقضية الأمن الغذائي، حيث أنشئ قسم الأمن الغذائي في أواخر خمسينات القرن العشرين، ورُفِّع إلى إدارة في مطلع القرن الحادي والعشرون، وأنشئت الأمانة الفنية للأمن الغذائي في العقد الأول من ذات القرن، سابقاّ بذلك المؤسسات الدولية في تعريفها الأمن الغذائي (مؤتمر قمة الغذاء 1996).
ولكن أعابت الورقة على السودان تقوقعه في ذات موقعه وعدم مسايرته للتطورات المهمة والحديثة التي صاحبت قضية الأمن الغذائي، والمتمثلة في العمل والأخذ بمؤشرات القياس الواردة في المؤشر العالمي للأمن الغذائي كأحدث منهجية علمية حديثة تبحث في قضايا الأمن الغذائي عبر مؤشرات علمية رافعة لقضية الأمن الغذائي عبر 113 دولة يضمها المؤشر.
أوردت الورقة أن قضايا الأمن الغذائي الرئيسية تتمثل في الآتي: تحمل تكاليف الغذاء: وهي عبارة عن مجموعة عوامل اقتصادية واجتماعية تهتم بمدى مقدرة الدولة على تحمل تكاليف الأنماط الغذائية الصحية، توافر الغذاء: وهي مجموعة مؤشرات تبحث في العوامل الدافعة والمحفزة والمثبطة للدولة في مدى كفائتها في توفير الغذاء، جودة وسلامة الغذاء: وهي مجموعة المؤشرات التي تبحث في جودة وسلامة الأغذية التي يتناولها المستهلك، ومدى تأثير ذلك في نشاطه وقدرته وصحته العامة و الاستدامة والتكيف: وهي مجموعة عوامل تتناول تغير المُنَاخ، ومخاطر الموارد الطبيعية وتأثيرها المباشر على عملية الإنتاج، ومدى اتخاذ الدولة لآليات وسياسات التّكيُّف اللازم اتباعها في مواجهة تغير المناخ ومخاطر الموارد الطبيعية.
وكل المؤشرات الداخلية والفرعية لقضايا الأمن الغذائي (69 مؤشراً فريداً في نسخة العام 2022)، تمثل سياسات وبرامج أجهزة ومؤسسات الدولة الحديثة (القطاع العام)، باعتبارها القائد والمنظم والداعم لبقية القطاعات الاقتصادية في الدولة. ودعت الورقة في هذا الصدد، إلى شراكةٍ ذكيةٍ ليس فقط بين القطاعين العام والخاص فحسب، بل تنداح دائرتها لتشمل القطاعات الأهلية والتعاونية والمرأة والشباب ومنظمات هذه القطاعات، باعتبار أن تحقيق الأمن الغذائي هو مسؤولية الدولة والمجتمع معاً وليس القطاع الزراعي فحسب.
وألمحت الورقة إلى أن الترتيب المتدني للسودان (105 من 113)، يرد إلى أن السودان ومنذ سبعينات القرن العشرين، لم يطور في أداء مؤشراته عالمياً، ولم يتخذ ولم يتبن منهجية المؤشر العالمي للأمن الغذائي، بل يدخل في دوامةٍ من البرامج المتفرقة المتبعثرة، التي لا ترمي إلى أي هدفٍ منشود، بل تروح وتأتي وكأنها لم تكن!.
أوضحت الورقة أن أخطر تحدٍ يواجهه السودان في مجال الأمن الغذائي، ليس وفرة الموارد، وأنما بنية الهيكل العامل في مجال الأمن الغذائي من مستوى الحكم الإتحادي وحتى الإداريات المكونة للمحليات (الوحدات الإدارية المكونة للحكم الولائي)، وأن منهجية المؤشر العالمي للأمن الغذائي تمتاز بمرونة فائقة بحيث يمكن تطبيقها على كافة تلك المستويات الإدارية.
لخصت الورقة، أن الأمن الغذائي يحتاج إلى إشراك كافة الفاعلين فيه دون استثناء كل في مجال عمله (مفهوم المشاركة)، وبوجود هذه الشراكة الكاملة والذكية، لابد من وجود آليةٍ فاعلةٍ للتنسيق بين هؤلاء الشركاء (مفهوم التنسيق)، وذلك وفق خطة عملٍ وطنيةٍ صارمةٍ تلتزم بها مكونات الدولة والمجتمع (مفهوم الخطة)، ترمي إلى تحسين أداء السودان في المؤشرات، وبالتالي تحسُّن وتقدُم ترتيبه العالمي.
اختتمت الورقة، باستخلاص توصياتٍ واضحةٍ وقويةٍ تمثلت في الآتي:
أن يتبنى السودان منهجية المؤشر العالمي للأمن الغذائي في سبيل تحقيق أمنه الغذائي، اصلاح جهاز التنسيق الحالي في الدولة (الأمانة الفنية للأمن الغذائي)، بتطبيق مفهوم الشراكة الواسعة، والخروج عن دائرة العمل التنفيذي، وإحكام وإجادة وإتقان التنسيق بين الشركاء الذين تقع على عاتقهم عملية التنفيذ (المستوى الولائي)، أن تكون قضية الأمن الغذائي تحت إشرافٍ مباشرٍ من رأس الدولة، بحسبانها قضية أمنٍ قوميٍ لا يمكن المساس بها (السيادة الغذائية)، فمن لا يملك قوته لا يملك قراره.