أعلنت الحكومة التركية السماح بجولة جديدة من استيراد الذرة، في خطوة هي الرابعة من نوعها خلال الأشهر الأخيرة، وذلك بموجب مرسوم رئاسي نُشر في الجريدة الرسمية.
ويسمح القرار باستيراد ما يصل إلى 500 ألف طن من الذرة دون فرض رسوم جمركية حتى 31 يوليو المقبل، وذلك في محاولة لتلبية احتياجات السوق المحلي من الأعلاف.
ويأتي هذا القرار في وقت حساس، حيث يفصل البلاد أقل من ثلاثة أسابيع فقط عن بدء موسم الحصاد المحلي للذرة، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من قبل ممثلي المزارعين الذين اعتبروا الخطوة تهديدًا مباشرًا للإنتاج المحلي.
ورغم أن الهدف المعلن من القرار هو دعم صناعة الأعلاف والقطاعات الحيوانية، إلا أن توقيته قبل الحصاد بأيام اعتُبر مضرًا بمصالح المنتجين المحليين، ويخالف سياسة الحماية الزراعية التي تنادي بها الجمعيات الزراعية.
انتقادات حادة من المزارعين للقرار الحكومي
أعرب محمد أكين دوغان، رئيس غرفة الزراعة في منطقة يوريغير بمدينة أضنة، عن رفضه الشديد للقرار، منتقدًا غياب إعلان مجلس الحبوب التركي (TMO) عن أسعار الذرة الجديدة حتى الآن.
وأكد أن إطلاق الاستيراد قبل الحصاد مباشرة يضر بالمزارعين، ويقوض قدرتهم على تسويق محاصيلهم بأسعار عادلة.
وأضاف دوغان أن دعم صناعة الأعلاف يجب ألا يكون على حساب المنتج المحلي، مشددًا على أن المزارعين بحاجة إلى حماية حقيقية، وليس قرارات تزيد من معاناتهم، ودعا إلى تبني سياسات أكثر عدلاً تدعم الزراعة المحلية وتضمن استمرار الإنتاج الوطني.
تجدر الإشارة إلى أن حصة تركيا الإجمالية من واردات الذرة ارتفعت إلى 3.5 مليون طن منذ أكتوبر 2024، حيث بدأت الحكومة في السماح بالاستيراد تدريجيًا من خلال أربع دفعات منفصلة.
تفاصيل حصص الاستيراد منذ أكتوبر 2024
بدأت الحكومة التركية منح تصاريح استيراد الذرة لأول مرة في أكتوبر 2024 بمقدار مليون طن، ثم تلتها حصتان إضافيتان بواقع مليون طن لكل منهما في شهري مارس ومايو 2025، قبل أن تصدر الحصة الرابعة في يوليو الجاري.
وبحسب المرسوم، ستنتهي فترة الإعفاء من الرسوم الجمركية بنهاية شهر يوليو، ليُعاد فرض رسوم بنسبة 130% على واردات الذرة بداية من أغسطس، وهو ما سيغير من شكل المعادلة السعرية محليًا.
ويرى خبراء أن هذا التوقيت يفتح الباب أمام كميات ضخمة من الذرة المستوردة خلال فترة قصيرة، مما قد يؤدي إلى إرباك السوق قبل أن يتمكن المزارعون المحليون من بيع محاصيلهم الجديدة.
دعم صناعة الدواجن وتحذيرات للمزارعين
أوضح إسماعيل كمال أوغلو، المدير العام السابق لمجلس الحبوب التركي والخبير الاقتصادي الزراعي، أن القرار الحكومي قد يكون مدفوعًا بمطالب ملحّة من صناعة الدواجن، والتي تعاني من نقص الأعلاف وارتفاع تكلفتها.
ورغم الجدل المثار، طمأن كمال أوغلو المنتجين المحليين بأن أسعار الذرة لن تتراجع بشكل كبير نتيجة الاستيراد، خصوصًا في ظل تراجع إنتاج القمح والشعير محليًا بسبب موجات الجفاف، مما يجعل الذرة سلعة استراتيجية مرتفعة القيمة.
وأكد أن منتجي الذرة المحليين، ومعظمهم من المزارعين الكبار وذوي الخبرة، لديهم القدرة على التكيف مع هذه المستجدات، مشيرًا إلى أن السوق ما زال مواتيًا لمصلحة المنتجين.
نظرة مستقبلية للسوق الزراعي في تركيا
مع اقتراب موسم الحصاد، يبقى التساؤل مطروحًا حول تأثير هذا القرار على السوق الزراعي ككل، خصوصًا في ظل مخاوف المزارعين من تكرار استراتيجيات الإغراق الاستيرادي التي تضعف قدرتهم على المنافسة.
وينتظر المزارعون إعلان أسعار الحصاد من قبل TMO بفارغ الصبر، باعتبارها العامل الرئيسي الذي سيوجه قرارات البيع ويحدد حجم التوريد المحلي، ويأملون أن تعكس الأسعار حجم التكاليف المرتفعة التي تكبدوها في الزراعة هذا الموسم.
في الوقت ذاته، تواصل الحكومة التركية مساعيها لتحقيق توازن بين حماية المستهلك وضمان أمن الإمدادات الغذائية، وهي معادلة دقيقة تتطلب قرارات مدروسة تراعي مصلحة كافة الأطراف.
قد يهمك أيضا:-
