
منذ بداية الحرب التجارية في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بدأت الصين في اتخاذ خطوات استراتيجية لتقليل اعتمادها على المنتجات الزراعية الأمريكية، بما في ذلك الحبوب، وذلك لضمان أمنها الغذائي وضمان استدامة إمداداتها الغذائية على المدى الطويل.
الحرب التجارية وفرض الرسوم الجمركية
في بداية ولاية ترامب الأولى، اندلعت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مما أدى إلى فرض رسوم جمركية ضخمة على السلع المتبادلة بين البلدين. حيث فرض ترامب رسومًا بنسبة 25% على سلع صينية بقيمة 370 مليار دولار، في حين ردت الصين بالمثل، ففرضت رسومًا مماثلة على سلع أمريكية بما في ذلك الحبوب مثل فول الصويا، القمح، الذرة، والذرة الرفيعة.
تسبب هذا النزاع التجاري في تراجع حصة الولايات المتحدة من واردات الحبوب الصينية، حيث انخفضت حصة فول الصويا الأمريكي من 40% في 2016 إلى 18% في 2024، وهو ما يعكس التحول في استراتيجيات الإمدادات الصينية، والتي باتت تعتمد بشكل أكبر على البرازيل كمصدر رئيسي.
تقليص الاعتماد على المنتجات الزراعية الأمريكية
في عام 2022، استوردت الصين منتجات زراعية من الولايات المتحدة بقيمة 43 مليار دولار، وفي 2023 انخفضت تلك القيمة إلى 34 مليار دولار، ومن المتوقع أن تستمر هذه المشتريات في التراجع مع مرور الوقت. هذا التوجه يعكس رغبة الصين في تنويع مصادر إمداداتها الزراعية وزيادة إنتاجها المحلي من الحبوب.
في 2019، توقفت الصين عن شراء المنتجات الزراعية الأمريكية بعد أن فرض ترامب الرسوم الجمركية، إلا أنه تم التوصل إلى اتفاق تجاري بين البلدين في يناير 2020، الذي وعدت بموجبه الصين بزيادة مشترياتها من السلع الأمريكية. ومع ذلك، أظهرت التقارير الأمريكية في فبراير 2022 أن الصين لم تلتزم تمامًا بالاتفاق، حيث كانت مشترياتها الزراعية أقل بكثير من المتفق عليها.
خطوات ملموسة نحو الأمن الغذائي
تسعى الصين بشكل متسارع إلى تحقيق الأمن الغذائي الذاتي، وقد بدأت منذ عام 2021 في زراعة المحاصيل المعدلة وراثيًا مثل فول الصويا والذرة. كما أقرت قوانين عدة للحد من هدر الغذاء وتخفيض خسائر المحاصيل، بما في ذلك قانون لمكافحة هدر الطعام أقرته في 2021، وهو ما يعكس أهمية هذا القطاع الحيوي بالنسبة للبلاد.
في خطوة استراتيجية أخرى، سمحت الصين منذ فبراير 2022 باستيراد القمح والشعير من روسيا بشكل موسع، بالإضافة إلى السماح باستيراد الذرة من البرازيل اعتبارًا من مايو 2022.
التحول نحو الزراعة الذكية وتحفيز الإنتاج المحلي
في 2022، أكد الرئيس شي جين بينج أن “البلاد يجب أن تزود نفسها بالكامل بالأرز، وإلا فإنها ستخضع لسيطرة الآخرين”. هذه التصريحات تؤكد أهمية تأمين الاحتياجات الغذائية الداخلية باعتبارها مسألة استراتيجية للأمن القومي.
وفي خطوة أخرى لدعم هذا التوجه، أطلقت الصين في أبريل 2023 حملة لزيادة إنتاج الحبوب بأكثر من 50 مليون طن بحلول عام 2030. وفي 2024، تسعى الصين إلى تحقيق رقم قياسي جديد في إنتاج الحبوب يتجاوز 700 مليون طن. هذه الخطط الطموحة تأتي في وقت يواجه فيه العالم تحديات غذائية متزايدة نتيجة لتغير المناخ والنزاعات التجارية.
في يونيو 2024، أقرّت الصين قانونًا جديدًا للأمن الغذائي يهدف إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي في إنتاج الحبوب والأغذية، مما يضمن أن الحكومات المحلية ستخصص موارد لحماية الأمن الغذائي في خططها الاقتصادية.
الزراعة الذكية والابتكار التكنولوجي
منذ أكتوبر 2024، أطلقت الصين برنامج عمل يمتد حتى 2028 يركز على تسريع تطوير الزراعة الذكية باستخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة لتحسين الإنتاجية الزراعية. هذه الجهود تهدف إلى تعزيز القدرة الإنتاجية للقطاع الزراعي الصيني، وتقليل الحاجة إلى الاستيراد من الخارج.
تحول استراتيجي نحو الاستقلال الغذائي
تسير الصين بثبات نحو تحقيق استقلال غذائي أكبر، من خلال تنويع مصادر إمدادات الحبوب، تعزيز الإنتاج المحلي، واستخدام تقنيات الزراعة الحديثة. هذه الخطوات تمثل جزءًا من استراتيجية طويلة المدى لضمان أمنها الغذائي في مواجهة التحديات العالمية، وتحديدًا تقليص الاعتماد على إمدادات الحبوب الأمريكية.
للمزيد من الأخبار الاقتصادية عن الأمن الغذائي والزراعة زور صفحتنا على فيسبوك من هنا: